
من قوارب الموت إلى شوارع اسبانيا.. حين يتحوّل الحلم الأوروبي إلى كابوس السرقة والتشرد
عمر الرزيني-مكتب برشلونة
يصلون إلى السواحل الإسبانية مبللين بالأمل والتعب، بعد أن باعوا كل ما يملكون من أجل مقعد في “قارب موت”، يظنونه طريقًا مختصرًا نحو الفردوس الأوروبي. لكن سرعان ما يصطدم كثير من هؤلاء الشباب – خاصة من المغرب والجزائر بواقع صادم، حيث يتحول الحلم إلى مأساة، تدفع البعض مرغَمين نحو السرقة، والتشرد، والانهيار النفسي والاجتماعي.
ومن مدن شمال المغرب تنتشر شبكات الهجرة غير الشرعية التي تُغري الشباب بـ”الفردوس الأوروبي”. يُباع لهم الحلم في شكل رحلة بحرية لا تتجاوز ساعتين أو ثلاث، مقابل مبالغ خيالية تصل أحيانًا إلى 10,000 يورو. في لحظة يأس أو فقدان أمل، يدفع الشاب كل ما يملك – بل وغالبًا ما تقترض أسرته – كي يعبر البحر.
لكن ما إن يصل، حتى يكتشف الحقيقة المُرّة: لا أوراق، لا عمل، لا مأوى، ولا حماية قانونية. فقط شوارع باردة، ونظرات ريبة، وبعض الفُتات من الجمعيات الإنسانية.
وفي المدن الكبيرة كبرشلونة و مدريد ، وغيرها من المدن الإسبانية، يعيش عدد من هؤلاء الشباب المهاجرين غير النظاميين في أوضاع كارثية: النوم في الحدائق أو تحت الجسور، الاعتماد على الطعام المجاني، والتعرض المستمر لمضايقات الشرطة أو السكان.
بعضهم، وتحت ضغط الجوع واليأس، ينخرط مجبرًا في أنشطة غير قانونية مثل السرقة أو النشل، فقط لتأمين قوت يومه. هذه الأفعال، رغم خطورتها، لا تأتي غالبًا من دوافع إجرامية، بل من غياب البدائل، وافتقار تام لأي دعم اجتماعي أو اقتصادي.
ورغم محاولات بعض الجمعيات تقديم المساعدة، إلا أن الأعداد تتزايد، والموارد تُستنزف، فيما تلتزم الجهات الرسمية بالصمت أو الاكتفاء بالحلول الأمنية.
في المقابل، يعاني الكثير من أفراد الجالية المغربية المقيمين بشكل قانوني من تبعات هذا الوضع، حيث يُربَط اسمهم بجرائم الشارع، وتُشوه صورة الجالية بأكملها في أعين الإسبان.
ويحذر نشطاء من أن تعميم الصورة النمطية يُغذي خطاب الكراهية والعنصرية، ويزيد من عزلة المهاجرين بدل احتوائهم.
وتفيد مصادر أمنية محلية بأن عدد الجرائم المرتبطة بالنشل والسرقات ارتفع بشكل كبير خلال السنتين الماضيتين. وتشير الإحصائيات إلى أن نسبة غير قليلة من الموقوفين في هذه القضايا ينتمون إلى دول المغرب العربي، خصوصًا المغرب والجزائر. ويتعلق الأمر غالبًا بشبان في وضعية هشّة، بعضهم بلا أوراق إقامة، أو من الوافدين الجدد إلى التراب الإسباني.
وتعمل هذه الفئة، بحسب نفس المصادر، في مجموعات صغيرة غير منظمة بشكل صارم، لكنها سريعة الحركة، وتستغل بعض الثغرات القانونية للإفلات من العقاب، إذ يتم الإفراج عن بعض الموقوفين خلال ساعات قليلة من التوقيف، في غياب أدوات ردع فعالة.
إسبانيا حاليا تعاني من ضغط كبير على مؤسساتها، لكنها أيضًا لا توفر حلولًا استراتيجية لهؤلاء الشباب، وتُركّز بشكل كبير على الحلول الأمنية دون معالجة الجذور الاجتماعية والاقتصادية للظاهرة.
وبين الحلم المفقود والحقيقة القاسية للهجرة الغير الشرعية، وخصوصًا في صفوف الشباب، لم تعد مجرّد محاولة للهروب نحو المجهول، بل تحوّلت إلى مأساة جماعية تحتاج إلى تحرك متعدّد الأبعاد
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X