
تصعيد فرنسي جديد.. رسالة ماكرون تنذر بتدهور إضافي في العلاقات بين فرنسا والجزائر
هبة بريس – يوسف أقضاض
أصدر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تعليمات صارمة لحكومته باتخاذ خطوات أكثر حزمًا تجاه الجزائر، في تصعيد دبلوماسي غير مسبوق يعكس توترًا متزايدًا بين البلدين على خلفية قضايا حقوق الإنسان.
ففي رسالة رسمية وجّهها الأربعاء إلى رئيس الحكومة فرنسوا بايرو، دعا ماكرون إلى تبنّي “موقف أكثر حزماً وتصميماً” إزاء ما وصفه بـ”تدهور الوضع الحقوقي في الجزائر”، خاصة في ما يتعلق بملف الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، والصحافي الفرنسي كريستوف غليز، المعتقلَين حاليًا في الجزائر في ظروف أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط الحقوقية والإعلامية الدولية.
وطالب ماكرون باتخاذ “قرارات إضافية” لمواجهة ما اعتبره انحرافًا ممنهجًا في تعامل الجزائر مع المثقفين والصحافيين، مؤكداً أن حرية التعبير لم تعد مضمونة في دولة “تشهد انتكاسات ديمقراطية واضحة”.
تعليق الامتيازات الدبلوماسية: ضربة رمزية ولكن مؤثرة
من أبرز الإجراءات التي أوصى بها الرئيس الفرنسي، تعليق الاتفاقية الثنائية لعام 2013، التي كانت تمنح إعفاءات من التأشيرات لحاملي الجوازات الرسمية والدبلوماسية بين البلدين. وتُعتبر هذه الاتفاقية أحد رموز الامتياز المتبادل بين باريس والجزائر، ويشكل تعليقها رسالة سياسية واضحة عن تراجع مستوى الثقة بين العاصمتين.
وتعكس هذه الخطوة تصعيداً دبلوماسياً لافتاً، يعبّر عن نفاد صبر باريس تجاه “الخطاب العدائي والممارسات القمعية” للسلطات الجزائرية، بحسب ما ورد في نص الرسالة الرسمية.
اعتقالات “سياسية”: المثقفون في مرمى السلطة
اعتقال بوعلام صنصال، الروائي المعروف بانتقاداته اللاذعة للنظام الجزائري، وكريستوف غليز، الصحافي الفرنسي العامل مع وسائل إعلام دولية، أثار موجة من الإدانات الدولية، كان أبرزها من جانب منظمة “مراسلون بلا حدود” و”هيومن رايتس ووتش”، اللتين وصفتا التهم الموجهة إليهما بأنها “ذات طابع سياسي بحت”.
ويرى مراقبون أن السلطة الجزائرية تحاول عبر هذه الاعتقالات توجيه رسائل داخلية وخارجية مفادها أن الخطوط الحمراء لا تمسّ، حتى لو كان المنتقدون يحملون جنسية مزدوجة أو يعملون لحساب وسائل إعلام أجنبية.
خلفيات مأزومة: الهجرة والتاريخ والمواقف الإقليمية
التصعيد الأخير لا يأتي في فراغ، بل يُضاف إلى سلسلة من الخلافات القديمة بين الجزائر وفرنسا، أبرزها ملف الهجرة، ورفض الجزائر إعادة بعض المهاجرين غير النظاميين، بالإضافة إلى الجدل الدائم حول الإرث الاستعماري، ومحاولات باريس المتكررة لفتح هذا الملف دون تجاوب جزائري واضح.
كما أن تقلب مواقف الجزائر في ملفات إقليمية مثل الساحل، وليبيا، والعلاقات مع روسيا والصين، قد عمّق هوة التباعد الاستراتيجي مع فرنسا، التي تسعى لإعادة ترتيب تحالفاتها في المنطقة في ظل التنافس الأوروبي المتزايد.
قراءة في دلالات التصعيد: كسر للصمت ونهاية مرحلة
الرسالة الفرنسية الصارمة تعكس تحولًا في التعاطي مع الجزائر من نهج التهدئة إلى منطق المواجهة الناعمة. ويبدو أن باريس باتت ترى أن الرهان على تطبيع العلاقات مع النظام الجزائري لم يؤت ثماره، وأن الوقت قد حان لاستخدام أدوات الضغط السياسي والدبلوماسي.
ومن المرجح أن يواجه هذا التصعيد ردودًا حادة من جانب الجزائر، التي كثيرًا ما وصفت التدخلات الفرنسية في الشأن الداخلي بأنها “استعمار جديد في ثوب حقوق الإنسان”.
ويؤشر الموقف الفرنسي الجديد إلى مرحلة جديدة من البرود الدبلوماسي وربما القطيعة المتدرجة بين بلدين يتقاسمان تاريخًا معقدًا ومتشابكًا. فباريس لم تعد مستعدة للصمت أمام ما تعتبره “عبثًا سياسيًا وحقوقيًا” في الجزائر، بينما تتجه الأخيرة لتعزيز خطاب السيادة الوطنية ورفض الإملاءات الخارجية.
وفي انتظار الرد الجزائري الرسمي، تبدو العلاقات بين البلدين مقبلة على مزيد من التصدّع، في مشهد يعيد طرح الأسئلة الكبرى حول حدود الشراكة الفرنسية-الجزائرية، ومدى قدرتها على الصمود أمام العواصف المتكررة.
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X